حكم مواقعة الزوجة دون الأربعة أشهر

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد

السؤال:

يفتي الفقهاء بعدم وجوب وطأ الزوجة قبل مضي أربعة أشهر مِن الوطأ الأوَّل، وذلك قد يوقع الزوجة في الحرج الشديد لو كانت شابَّة شبِقة، وقد يُوقعها في الحرام، وعليه هل يبقى عدم الوجوب على حاله حتَّى في الفرض المذكور؟

الجواب:

بدايةً أرى مِن المناسب الإشارة إلى مدرك الحكم بعدم وجوب وطأ الزوجة الشابَّة لأربعة أشهر عند عدم اتِّفاق الفرض المذكور:

فقد استدلَّ الفقهاء بالإضافة إلى دعوى الإجماع -وهو مدركي- بمعتبرة صفوان بن يحيى عن الرضا (ع): "أنَّه سأله عن الرجل تكون عنده المرأة الشابَّة فيُمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ليس يريد الإضرار بها يكون لهم مصيبة، يكون في ذلك آثمًا؟ قال (ع): إذا تركها أربعة أشهر كان آثمًا بعد ذلك"(1). فهذه الرواية صريحة في حرمة ترك وطأ الزوجة الشابَّة لأكثر مِن أربعة أشهر.

والبحث بعد ذلك عن حكم ترك الوطأ لأقلّ مِن أربعة أشهر لو كان الترك موجبًا لوقوع الزوجة في الحرج أو وقوعها في الحرام.

أمَّا حينما يلزم مِن عدم الوطأ وقوع الزوجة في الحرج فيُمكن أنْ يقال بحرمة ترك الوطأ، وذلك لحرمة إيقاع المؤمن في الحرج أو الضرر، ودعوى أنَّ الحرج في الفرض المذكور لم ينشأ عن الزوج -حتّى يُخاطَب بحرمة إيقاع الحرج على الغير- ليست تامَّة، وذلك لانتساب منشأ الحرج إليه عرفًا، فالعرف يرى أنَّ عدم وطئه لزوجته هو منشأ وقوعها في الحرج.

فحاجتها إلى الوطأ وإنْ لم تكن ناشئة عن الزوج إلاَّ أنَّ الزوجة لمَّا كانت منحبسة على الزوج شرعًا وكان قادرًا على تخليتها بالطلاق ولم يفعل فذلك هو المصحِّح لنسبة إيقاع الحرج على الزوجة إليه بنظر العرف.

ويُمكن التنظير لذلك بما لو حبس القاضي رجلاً بحقِّ ثمَّ حرمه مِن الطعام فمات أو وقع في الضرر فإنَّ العرف يرى أنَّ القاضي هو مَن أوقع الضرر على ذلك الرجل رغم أنَّ الضرر لم ينشأ عن القاضي مباشرة، وإنَّما نشأ عن حاجة جسم الرجل للطعام.

مِن هنا يصحُّ القول بحرمة ترك الوطأ للزوجة لو كان ذلك يوجب وقوعها في الحرج، لأنَّ ترك الوطأ عند عدم الطلاق مصداقٌ لإيقاع المؤمن في الحرج. وبهذا التقريب ينتفي الإشكال الوارد على الاستدلال بقاعدة نفي الحرج وأنّها لا تقتضي إثبات حكم شرعي، وإنَّ أقصى ما تقتضيه هو نفي الحكم الذي ينشأ عنه الحرج.

ومِن الواضح أنَّ الشارع لم يوجب ترك الوطأ حتَّى يقال إنَّ هذا الوجوب ينشأ عنه الحرج فهو منفي بالقاعدة، فليس في البين وجوب نشأ عنه الحرج حتَّى تنفيه القاعدة كما أنَّها لا ترقى لإثبات وجوب الوطأ لعدم اقتضاء هذه القاعدة لإثبات حكمٍ شرعي.

أقول: إنَّ هذا الإشكال لا يرد على التقريب الذي ذكرناه لأنَّنا لم نستدلّ بقاعدة نفي الحرج وإنَّما تمسَّكنا بقاعدة حرمة إيقاع الحرج على الغير وأثبتنا أنَّ ترك الوطأ في الفرض المذكور مِن صغريات إيقاع الغير في الحرج.

قد يقال: يُمكن التمسُّك بقاعدة نفي الحرج لنفي جواز ترك الوطأ في الفرض المذكور، وذلك بأنْ ندَّعي أنَّ تشريع جواز ترك الوطأ للزوج هو الذي نشأ عنه وقوع الزوجة في الحرج، ولمَّا كان الأمر كذلك فالجواز منفي بالقاعدة، وعند انتفاء الجواز بالمعنى الأعمّ يتعيَّن اللزوم وبذلك يثبت المطلوب.

إلاَّ أنَّ هذا البيان لا يتمُّ لو استظهرنا مِن القاعدة أنَّها تنفي الحكم الحرجي على نفس المكلَّف؛ بمعنى أنَّ القاعدة إنَّما تنفي الحكم الموجب لوقوع المكلَّف -المخاطَب بذلك الحكم- في الحرج، أمَّا لو كان الحكم غير موجب لوقوع المكلَّف المخاطَب به في الحرج وإنَّما هو موجب لوقوع غيره في الحرج فذلك ما لم تتصدَّ القاعدة لبيانه.

مِن هنا فالمتعيَّن هو الاستدلال بقاعدة حرمة إيقاع الحرج على الغير بالتقريب الذي ذكرناه.

وأمَّا حينما يلزم مِن عدم الوطأ للزوجة الوقوع في الحرام فإنْ كان منشأ وقوعها في الحرام هو إيقاع الزوج لها في الحرج الشديد لعدم وطئه لها فحرمة ترك الوطأ يمكن إثباته بالبيان السابق.

ولو لم يكن الأمر كذلك أي أنَّ وقوعها في الحرام لم ينشأ عن إيقاعها في الحرج الشديد فما هو حكم ترك الوطأ في مثل هذا الفرض؟ وهل يجب على الزوج الوطأ حتَّى لا تقع في الحرام؟ أو أنَّ ذلك لا يجب عليه؟

أقول: قد يستدلُّ على وجوب المواقعة للزوجة فيما دون الأربعة أشهر بما دلَّ على وجوب دفع المنكر، إلاَّ أنَّ ذلك ليس ثابتًا على إطلاقه، إذ لا ريب في عدم وجوب التزوُّج مِن امرأة لو كان عدم التزوُّج مِنها موجبًا لوقوعها في الحرام، فليس في الأدلَّة ما يمكن التمسُّك به لإثبات لزوم رفع مقتضيات الوقوع في الحرام بنحوٍ مطلق إلاَّ بناءً على القول بسدِّ الذاريع والذي لا نقول به.

نعم يمكن إثبات ذلك فيما يرتبط بالمنكرات التي هي بمستوى الزنا والقتل وغيرهما ممَّا ثبت أنَّ الشارع حرص على عدم وقوعها في الخارج حتَّى لو كانت صادرة عن الأطفال فضلاً عن البالغين، فكلُّ منكرٍ مِن هذا القبيل يلزم المكلَّفين سدّ الطرق المفضية إليه، ولو كان ذلك بواسطة رفع المقتضي لوقوعه.

ولمَّا كان دفع المنكر -بواسطة رفع مقتضيه- يمكن تحصيله بمواقعة الزوج لزوجته فيما دون الأربعة أشهر كان ذلك موجبًا للزوم المواقعة، وبذلك يثبت المطلوب.

هذا حاصل ما أفاده السيِّد الخوئي (رحمه الله) إلاَّ أنَّه غير تامّ ظاهرًا، وذلك لأنَّه لا يُنتج تعيُّن اختيار المواقعة لمنع الزوجة مِن الوقوع في الحرام، إذ أنَّ له منعها عن الوقوع في الزنا بوسيلةٍ أخرى لو أمكنت، فما أفاده السيِّد الخوئي (رحمه الله) إنَّما ينفع في ظرف انحصار دفع الوقوع في الزنا بالمواقعة وهو خلف الفرض حيث إنَّنا نبحث عن دليل يثبت وجوب المواقعة حتَّى في ظرف عدم الإنحصار.

هذا وقد استدلَّ السيِّد الخوئي (رحمه الله) على وجوب المواقعة فيما دون الأربعة أشهر في الفرض المذكور بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾(2).

وذلك بتقريب أنَّ للأهل كما هو مفاد الآية الشريفة خصوصيَّة تقتضي لزوم التحفُّظ عليهم مِن الوقوع في النار، فلذلك يجب عليه تعليمهم ونهيهم عن المنكر، وفعل كلّ شيء يُنتج وقايتهم مِن النار، ولمَّا كانت المواقعة مفضية لوقاية الزوجة مِن النار لذلك فهي واجبة، إلاَّ أنَّ ذلك لا يتمُّ أيضًا إلاَّ في فرض إنحصار وسائل الوقاية بهذه الوسيلة، وذلك هو خلف الفرض كما ذكرنا.

نعم قد يقال إنَّ فرض المسألة هو أنَّ عدم المواقعة منتج لوقوع الزوجة في الزنا، فالنهي القولي غير نافع لدرء هذا المنكر، فليس مِن وسيلةٍ لدرء هذا المنكر سوى المواقعة أو الضرب والحبس أو أحدهما وهي مرتبة لا يُصار إليها حينما يكون مِن الممكن درء المنكر بما هو دون الضرب أو الحبس.

وبذلك يتعيَّن درء المنكر في المواقعة فتُصبح حينئذ واجبة. ودعوى أنَّ ثمَّة وسيلة أخرى لدرء هذا المنكر وهي الطلاق ليست تامَّة لأنَّ الفرض هو عدم اختيار الزوج للطلاق وأنَّه بصدد امتثال الأمر بوقاية الأهل مِن النار، وعلى أيِّ حالٍ لو اختار الزوج بقاء زوجته في عهدته فهو ملزم بوطئها دون الأربعة أشهر لو لزم مِن عدم وطئها وقوعها في الزنا.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمَّد صنقور

2005/3/3م


1- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج3 / ص405.

2- سورة التحريم / 6.