هل كان أداء الخمس كان مستحبًّا؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
الشبهة:
إنَّ الخمس وكما يقول مثير الشبهة -حق الإمام بحسب نظرية الإماميَّة-إلاّ أنَّ حكم أدائه إليه هو الاستحباب كما تدلُّ على ذلك الروايات الواردة عن أهل البيت (ع)، فلا ندري كيف صار حكم الأداء للفقيه بعد ذلك واجبًا مع أنَّ المنطق يقتضي في أحسن الأحوال أن يكون الحكم مشتركًا بينهما، فكما أنَّ الأداء للإمام كان مستحبًّا فكذلك لا بدَّ أنْ يكون مستحبًّا للفقيه، هذا مع غضِّ النظر عن التفاوت بين الإمام والفقيه في المنزلة وإلاَّ فإنَّ ذلك يقتضي أنْ يصبح الأداء للفقيه مباحًا لأنَّه كان مستحبًّا للإمام فالتفاوت في المنزلة يقتضي النزول عن الاستحباب إلى الإباحة لا أنَّه يقتضي ارتقاء الاستحباب إلى درجة الوجوب فكأنما الفقيه أفضل من الإمام (ع).
ثمَّ أخذ مثير الشبهة يكيل الاِتِّهامات على غير وجه حقٍّ، فذكر فيما ذكر أنَّ الفقهاء يُوجبون على الناس أداء الخمس وهم لا يُخمِّسون أموالهم .
الجواب:
والجواب عن هذه الشبهة هو أن الدعوى التي أطلقها وهي أن أداء الخمس للإمام (ع) كان مستحبًا ليست أكثر من دعوى جزافية وبلا مستند، إذ أنَّ الروايات التي ذَكَر أنَّها المستند لصحة دعواه هي عينها روايات التحليل والتي اتَّضح لك مما تقدم سقوط إطلاقها عن الحجِّيَّة بقرينة روايات التحليل الأخرى التي مفادها إختصاصه بموارد خاصّة التزم الفقهاء بسقوط الخمس فيها، فالعلاقة كما ذكرنا بين الطائفة الرابعة من روايات التحليل وبين الطوائف الثلاث هي علاقة الإطلاق والتقييد، وذلك يقتضي بحسب الصناعة الأصولية وقاعدة الجمع العرفي تقييد الروايات من الطائفة الرابعة بروايات التحليل من الطوائف الثلاث، وقد تقدم منا القول أيضًا في مقام المعالجة لروايات التحليل المطلق بأن العلاقة بين روايات التحليل المطلق -الطائفة الرابعة- وبين روايات وجوب الخمس هي علاقة التباين المستحكم وهو ما يقتضي لزوم معالجة التعارض والتباين على أساس مرجِّحات باب التعارض، فقد ذكرنا فيما تقدم أنه إذا تعارضت روايتان أو أكثر بنحو التعارض المستحكم فإن المرجع هو القرآن الكريم، فالرواية الموافقة لكتاب الله عز وجل يكون عليها العمل وتسقط الرواية الأخرى غير الموافقة لكتاب الله عز وجل عن الحجيَّة، ومِن الواضح أنَّ الموافق لكتاب الله هي روايات وجوب الخمس إذا هي الموافقة لقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ﴾(1).
على أنَّ روايات وجوب إخراج الخمس هي المطابقة لمقتضى السيرة العمليَّة لأئمّة أهل البيت (ع) كما أوضحنا، هذا بالإضافة إلى أنَّ روايات وجوب إخراج الخمس تفوق حدَّ التواتر بمراتب فهي إذن أكثر عددًا مِن روايات التحليل المطلق، وذلك مرجِّح ثالث لروايات وجوب إخراج الخمس، وثمة قرائن أخرى أشرنا إليها فيما تقدّم تقتضي هي أيضًا ترجيح روايات وجوب الخمس فراجع.
إذن فروايات التحليل لا تصلح مستندًا لدعوى استحباب الأداء نظرًا لسقوطها أو سقوط إطلاقها عن الحجِّيَّة، نعم قد يكون مقصود صاحب الشبهة أنَّ وجوب إخراج الخمس على فرض ثبوته لا يُلازم وجوب أدائه للإمام بل من الممكن أن يكون إخراج الخمس واجبًا لكنّه لا يجب أداؤه للإمام بل إنَّ للمكلِّف الحقّ في التصدِّي بنفسه لصرفه في مصارفه، فلو كان ذلك هو مقصوده لكان مِن غير المناسب الإستناد إلى روايات التحليل التي لو تمت لكانت مقتضية لسقوط الوجوب عن إخراج الخمس.
بمعنى أنَّ روايات التحليل المطلق متصدِّية لإسقاط أصل الوجوب عن إخراج الخمس وليست متصدِّية لإسقاط الوجوب عن الأداء للإمام لأن ذلك فرع وجوب الإخراج، فإذا كان إخراج الخمس واجبًا يصح البحث عن أنَّ أداءه للإمام واجب أو مستحبّ، وحينئذٍ يكون على مدَّعي أحد الحكمين أنْ يُثبت دعواه، أما لو كان إخراج الخمس غير واجب بمقتضى روايات التحليل فالمتبنِّي لذلك يكون في سعة من جهة المطالبة بالدليل على استحباب الأداء لأن الأداء لن يكون واجبًا حتمًا فلا معنى لعدِّ ذلك اشكالاً مستقلاً على فقهاء الشيعة فيما يرتبط بشأن الخمس إلا أن يكون الغرض من ذلك تكثير الاِشكالات من أجل إيهام القارئ والتلبيس عليه، وإلاَّ فروايات التحليل لو تمَّت لكانت كافية لإثبات عدم وجوب الأداء لكنّه لـمَّا كان مثير الشبهة مدركًا أن روايات التحليل غير صالحة لإثبات دعواه رأى لزامًا عليه أن يكثِّر من الاشكالات لعلَّ أحدًا يقع في شباكه فيكون ذلك المسكين هو غنيمته من كلِّ سعيه.
وكيف كان فالدليل على وجوب أداء الخمس للإمام في عصر الظهور هو أن الخمس بأسهمه الثلاثة حقٌّ للإمام (ع) كما سلَّم بذلك مثير الشبهة، فإذا كان الخمس حقاً للإمام فذلك يقتضي لزوم إيصاله وأدائه إليه، لأنَّ أحدًا لا يخرج عن عهدة الحقِّ الذي عليه إلا بإيصاله لذي الحقِّ أو استئذانه في صرف الحقِّ على من يرتضيه صاحبُ الحق، أما أن يكون الخمس حقًا للإمام ويكون إخراجه واجبًا ثم لا يجب أداؤه لا إلى الإمام ولا إلى من أذن الإمام في صرفه عليه فذلك ما لا يمكن تصوُّره إلا على أساس اسقاط الإمام لحقِّه وهو التحليل الذي أجبنا عنه في الشبهة السابقة.
ولإثبات دعوى أن الخمس بأسهمه الثلاثة حق للإمام ننقل لك بعض الروايات:
الأولى: ما رواه الشيخ في التهذيب بسنده إلى أحدهـما -الباقر والصادق- في قول الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾، قال: خمس الله للإمام وخمس الرسول للإمام وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام، واليتامى يتامى آل الرسول والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم(2).
الثانية: ما رواه الكليني في الكافي بسنده إلى الإمام الرضا (ع) قال: سئل عن قول الله عز وجل: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟
فقال: لرسول الله (ص) وما كان لرسول الله (ص) فهو للإمام(3).
الثالثة: ما رواه الكليني في الكافي بسنده إلى العبد الصالح الإمام الكاظم (ع) في حديث طويل قال: وله -يعني للإمام-نصف الخمس كملاً ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته سهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم"(4).
وثمّة روايات أخرى مذكورة في كتاب الخمس وكتاب الأنفال في الوسائل فإذا ثبت أنَّ نصْفَ الخمس حقٌّ للإمام لزم أداؤه إليه بالتقريب الذي بيَّناه، على أنّ ثمة روايات صريحة في لزوم أداء الخمس للإمام.
منها: ما رواه الشيخ في التهذيب بسندٍ إلى أبي جعفر (ع) قال: لا يحلُّ لأحدٍ أن يشتري من الخمس شيئًا حتى يصل إلينا حقّنا(5).
ومنها: ما رواه الشيخ في التهذيب بسندٍ إلى أبي عبد الله (ع) أنّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا، إلا أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإنْ فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت(ع)(6).
ومنها: الشيخ الصدوق في إكمال الدين بسندٍ إلى أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد عليَّ من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الدار (ع): وأما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرَّف فيه تصرُّفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه، فقد قال النبي (ص): المستحلّ مِن عترتي ما حرَّم الله ملعون على لساني ولسان كلّ نبيٍّ مُجاب(7).
فالرواية صريحة في عدم جواز التصرُّف في أموال الخمس دون أمر الإمام (ع) وهي تعبير آخر عن لزوم إيصالها إليه أو استئذانه في صرفها فإنْ لم يفعل فهو مستحِلٌّ من عترة النبي (ص) ما حرَّم الله فيكون مشمولاً للعنه (ص) ولعن كلِّ نبي مُجاب.
هذا فيما يرتبط بالأسهم الثلاثة التي هي حقُّ الإمام (ع) وأمَّا فيما يرتبط بالأسهم الثلاثة الأخرى والتي هي حقٌّ ليتامى آل الرسول (ص) ومساكينهم وأبناء سبيلهم فمشهور الفقهاء يفتون بجواز أنْ يتصدى المكلَّف بنفسه لصرفها في مصارفها المذكورة دون مراجعة الفقيه.
وأمّا مَن يقول بلزوم إيصالها للفقيه ليصرفها هو على المصارف الثلاثة فمستندهم أنَّ إيصالها للإمام في عصر الظهور كان لازمًا وأنَّ صلاحيَّة التصدِّي لصرفها على مصارفها حينذاك كانت للإمام (ع)، ولأنّ الفقيه يقوم مقامه في هذا الشأن، لذلك لزم إيصال الخمس بقسميه إلى الفقيه، وقد أوضحنا ذلك في مقام الردّ على الشبهة الأولى فراجع.
وأمَّا ما ذكره صاحب الشبهة من أن الفقهاء لا يخمِّسون فلا أدري من أين علم بذلك ﴿أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا / كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا﴾ فليس بمستوحشٍ أنْ تصدر عمَّن أعيته الحجَّة مثل هذه الافتراءات ولو وسعه لقال إنَّ الفقهاء لا يصلُّون ولا يصومون، فحسبنا الله ونعم الوكيل وهو نعم المولى ونعم النصير.
ختامًا أرى مِن المناسب إيضاح بعض الأمور المتعلّقة بمسألة الخمس لأنَّي وجدت الكثير من الشبهات التي يثيرها البعض تنشأ عن عدم وضوح حيثيَّات المسألة، وسأكتفي بما لم يتمّ التطرُّق له في مطاوي البحث.
الخمس بعد المؤنة
الأمر الأول: إنَّ وجوب تخميس أرباح المكاسب بنظر الإماميَّة يعني لزوم إخراج خمس ما يجنيه المكلَّف مِن التجارة أو ما يحصل عليه مِن أجرٍ على عمله إلاَّ أنَّ ذلك لا يلزمه إلاَّ بعد استثناء مؤنة السنة له ولعياله، فله أنْ يصرف مِن هذه الأرباح والأجور طيلة سنته فإنْ فضل بعد انقضاء السنة شيء وجب تخميسه قلَّ أو كثر، وإن لم يبق شيء من الأرباح بعد انقضاء السنة لم يكن عليه خمس في الأرباح والأجور لأنه قد صرفها في مؤنة سنته. وقد قال الإمام (ع): الخمس بعد المؤنة(8).
الخمس في كلّ ربح مرّة واحدة
الأمر الثاني: إنَّ كلّ ربحٍ فضل عن مؤنة السنة وتمَّ تخميسه لا يجب تخميسه بعد ذلك مرَّةً أخرى، فالأرباح والأجور وكلُّ ما يجب تخميسه لا يُخمَّس إلا مرَّة واحدة، وذلك بخلاف الأموال الزكوية فإنها إذا بلغت النصاب وجب إخراج الزكاة منها في السنة الأولى وكذلك يجب إخراج الزكاة منها في السنين اللاحقة إذا لم تنقص عن مستوى النصاب.
معنى الخمس بعد المؤنة
الأمر الثالث: قلنا في الأمر الأول إنّه لا يجب الخمس في الأرباح والفوائد إلّا فيما فضل منها عن مؤنة السنة له ولعياله، والمراد من المؤنة هو ما يحتاجه المكلَّف من أموال لصرفها على نفسه وعياله أي أولاده وزوجته، وكلّ مَن هو متصدٍّ للنفقة عليه فهو من عياله حتّى وإنْ لم يكن من واجبي النفقة عليه، فإذا كان ما يجنيه من أرباح يساوي مقدار ما يحتاجه في صرفه على نفسه وعياله لم يجب عليه الخمس، أمّا إذا زاد مقدار ما يربحه على مقدار ما يصرفه في المؤنة وجب تخميس الزائد عند انقضاء سنته.
وبما ذكرناه يتَّضح أنَّ الذي يدخل في المؤنة هو مثل المأكل والمشرب والمسكن والملبس والمركب والأثاث ومصاريف العلاج والتعليم والزواج والضيوف والحج والأسفار الواجبة والمستحبة بل والمباحة إذا كانت مناسبة للشأن، وغير ذلك مما يحتاجه المكلف لنفسه ولعياله.
وعليه فلو أنَّ المكلف ربح في تجارته مالاً فاشترى به منزلاً لسكناه أو أثاثًا لبيته أو احتاجه لتعليم أولاده أو علاجهم أو تزويجهم وكانت هذه الحاجات مستوعبة لتمام الربح لم يجب على المكلف تخميس هذا الربح لأن الخمس بعد المؤنة، نعم لو فضل من الربح شيء وجب تخميسه عند رأس سنته الخمسيَّة.
وباتضاح ما يجب تخميسه مِن أرباح المكاسب ينتفي ما يسعى الآخرون لإيحائه مِن أنَّ فريضة الخمس باهضة جدًا وهو ما يوجب التشكيك في تشريعها إذ اتّضح ممّا تقدّم أنَّ الخمس يجب في كلِّ ربح مرّة وأنَّ المقدار الواجب تخميسه على المكلَّف هو ما يفضل عن حاجته وحاجة عياله في سنة ربحه، وهو ما يعني استغناؤه عن هذا المال في سنة الربح.
على أنَّ المؤمن ينبغي أن يدرك أن ما بيده من أموال هي من عطاء الله الذي قدَّر فيه رزقًا لآخرين، فليس له أن يتبرَّم أو يتوهَّم أنَّ ما عنده كان بجهده فيكون كما كان قارون الذي قال: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾(9).
أو يكون كمن قال الله تعالى فيهم: ﴿وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ / فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ / فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾(10).
إنَّ الله عزَّوجل حينما فرض الخمس على عباده فرضه لأمرين:
الأول هو سدُّ عوز الفقراء من آل الرسول (ص) إكرامًا له وتقديرًا لجهوده وتضحياته "والمرء يُحفظ في ولده".
والأمر الآخر هو الاستعانة بالخمس على تشييد معالم الإسلام وتقوية شوكته وتثبيت أركانه، ولذلك جعل الله عزَّوجلَّ صرف الخمس في مصارفه بيد رسوله (ص) ثم من بعده للأئمة من أهل بيت الرسول (ص) ثم للفقهاء العدول الذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فيكون الخمس واحدًا من وسائل الدعوة إلى الله عزَّوجل والذبِّ عن دينه وترويج أحكامه بين عباده والانتصار للمؤمنين ورفع عوزهم ومقارعة الظالمين والمضلِّين الذين يُفسدون في الأرض ولا يصلحون.
فإذا كان الأمر كذلك أفلا ينبغي استشعار الرضى، أفيكون المال أعزّ على المؤمن من دينه وها هم المبطلون يبذلون ما عندهم لترويج باطلهم، أفيليقُ بالمؤمن أن يسعى لتأمين مستقبله الدنيوي الذي قد لا يطول لأكثر من خمسين سنة ويُغفل مستقبلاً يمتدُّ به امتداد الأبد فتلك إذن قسمة ضيزى.
تفصيل مصارف الخمس
الأمر الرابع: كنا قد تحدَّثنا فيما سبق عن مصارف الخمس، وأودُّ هنا أنْ أفصِّل ما أجملته هناك إتمامًا للفائدة ودفعًا لتوهُّمٍ عمِلَ الآخرون على إيحائه بل وتأكيده فأقول:
أمّا الأسهم الثلاثة الأولى وهي سهم الله تعالى وسهم الرسول (ص) وسهم ذي القربى فموارد صرفها كثيرة:
منها: الحوزات العلميَّة المتصدية لتدريس العلوم الدينية كالفقه والتفسير والعقيدة الإسلامية والمتصدية لتخريج الدعاة والمبلِّغين.
ومنها: طباعة ونشر الكتب المتصدِّية لبيان أحكام الدين وأصول العقيدة وتفسير القرآن والسنَّة الشريفة والكتب المتصدية لمعالجة الشبهات التي يُثيرها المضلِّون وكذلك الكتب الوعظية والتربوية.
ومنها: تأمين ما يحتاجه الدعاة والمبلِّغون وطلبة العلوم الدينية فيما يتصل بشؤون الدعوة والتبليغ والتحصيل العلمي وفيما يتصل بشؤونهم الخاصة نظرًا لتمحُّضهم في هذا الطريق وعدم القدرة على التوفيق بين التكسُّب وممارسة هذه الأدوار.
ومنها: تشييد الصروح العلمية والدينية كالمدارس الدينية والمساجد ودور النشر والتبليغ الديني.
ومنها: بناء المستشفيات والمبرَّات ودور الأيتام وكلُّ عمل يصبُّ في مصلحة المؤمنين العامّة.
ومنها: دفع ضرورات المؤمنين الفقراء كتزويجهم وتعليم أولادهم ومعالجة المرضى منهم وغير ذلك مما نحرز معه رضا الرسول الكريم (ص) وأهل بيته (ع) مع ملاحظة الأولى من هذه المصارف عند التزاحم وعدم القدرة على استيعابها في عرض واحد. والفقهاء مجمعون على أنَّ الأولى من هذه المصارف هو كلُّ ما يساهم مباشرة في حفظ الدين.
وأمّا الأسهم الثلاثة الأخرى فمصرفها فقراء آل الرسول (ص) وهم يتامى آل الرسول (ص) ومساكينهم وأبناء سبيلهم على أنْ يكونوا من ذوي الالتزام بالدين بمستوى عدم التجاهر بالمعصية وعدم الإصرار على ارتكابها، ولا يصحُّ صرف شيء مِن حقّ السادات على الأغنياء منهم كما أنّه ليس لأحدٍ من المؤمنين كائنًا من كان أنْ يصرف درهمًا من حقِّ السادات على نفسه أو متعلَّقيه، هذا ما يفتي به فقهاء الإماميَّة وهو الذي عليه العمل من قِبلهم، ومَنِ ادَّعى علينا غير ذلك شكوناه إلى الله تعالى فهو يتولّى الصالحين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والحمد لله ربِّ العالمين
من كتاب: تساؤلات في الفقه والعقيدة
الشيخ محمد صنقور
1- سورة الأنفال / 41.
2- وسائل الشيعة باب 1 مِن أبواب قسمة الخمس ح1.
3- وسائل الشيعة باب 1 مِن أبواب قسمة الخمس ح6.
4- وسائل الشيعة باب 10 مِن أبواب ما يجب فيه الخمس ح1.
5- وسائل الشيعة باب 1 مِن أبواب ما يجب فيه الخمس ح4.
6- وسائل الشيعة باب 10 مِن أبواب ما يجب فيه الخمس ح2.
7- وسائل الشيعة باب 3 مِن أبواب الأنفال ح7.
8- وسائل الشيعة باب 12 مِن أبواب ما يجب فيه الخمس ح2، الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح1، 2.
9- سورة القصص / 78.
10- سورة التوبة / 75-77.