(اللهم صلِّ وسلم ..) ما هو الإشكال فيها؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما هي الإشكال في قولنا: "اللهم صلِّ وسلِّم على محمَّدٍ وآل محمَّد"؟

الجواب:

ليس ثمة إشكال في الصلاة على محمد وآل محمد بهذه الصيغة "اللهم صلِّ وسلم على محمد وآل محمد" في غير تشُّهد الصلاة، وأمَّا في تشُّهد الصلاة فيجب على المكلَّف الالتزام بالصيغة المجرَّدة من قول "وسلِّم" وقوفاً على ما ورد في كيفيَّة التشهد.

فإضافة قول "وسلم" وإن لم يكن مأثوراً في تشُّهد الصلاة بهذه الكيفيَّة، وكذلك هو ليس مأثوراً في كيفيَّة التعقيب بعد الصلاة، بمعنى أنَّه لم يرد قول "وسلم" معطوفاً على قول "وصلِّ" دون فصل إلا أنَّه ورد في كيفية التشهُّد وغيره مفصولاً وفي سياق جملةٍ تامَّة.

مثلاً ورد في كيفية التشهد الثاني عن أبي عبد الله (ع): ".. اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وسلِّم على محمد وآل محمد .."(1).

وورد أيضاً في مصباح المتهجِّد للشيخ الطوسي رحمه الله عن معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (ع) أنَّه يستحب أن يُدعى بعد صلاة الظهر بهذا الدعاء "يا أسمع السامعين... اللهمَّ امنُنْ على محمَّدٍ وآلِ محمَّد كما مننتَ على موسى وهارون، وسلِّم على محمَّدٍ وآل محمَّد كما سلَّمت على نوحٍ في العالمين .."(2).

وفي الكافي للكليني رحمه الله تعالى: روى عن أبي عبد الله (ع) خطبةً لأمير المؤمنين (ع) يوم الجمعة ورد فيها: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ وبارك على محمَّدٍ وآل محمَّد، وتحنَّن على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ وسلِّم على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ .."(3).

وفي تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي رحمه الله تعالى قال: وتدعو بعد صلاة العيد بهذا الدعاء ".. يا ذا الجلال والإكرام صلِّ على محمد وآل محمد وبارك على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ وسلِّم على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ .."(4).

وفي كتاب المصباح للكفعمي أفاد بأنَّه يُصلَّى على النبيِّ (ص) بهذه الصلوات: "اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ حتى لا يبقى صلاة، اللهمَّ وبارك على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ حتى لا يبقى بركة، اللهمَّ وسلِّم على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ حتى لا يبقى سلام، اللهمَّ وارحمْ محمَّداً وآلَ محمَّدٍ حتى لا يبقى رحمة"(5).

وفي البحار أفاد أنه روي عن الصادق (ع) أنَّه : "مَن صلَّى على النبيِّ (ص) وآله بهذه الصلوات مُحيتْ خطاياه، وأُعين على عدوِّه، وهُيئ له أسباب الخير، وأُعطي أملَه، وبُسط في رزقه وكان مِن رفقاء محمَّدٍ (ص) في الجنَّة(6).

وثمة رواياتٌ أخرى اشتملت على التعبير بـ"وسلِّم على محمد وآل محمد" أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة. وعليه ليس ثمة إشكال يقتضي المنع من الالتزام بالصيغة المتعارفة وإنْ كنا لم نجد قول "وسلِّم" معطوفاً على قول "صلِّ" دون فصل إلا في موردٍ واحد.

وهو ما أورده محمَّد المشهدي في كتابه المزار في زيارة للسيَّدة فاطمة (ع) قال: "ثم قل: اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمَّدِ بن عبد الله خاتمِ النبيين"(7).

إلا أنَّ هذا الذي أورده هو عين ما ذكره الشيخ الصدوق في كتابه مَن لا يحضره الفقيه وهو رحمه الله لم يورد الزيارة على إنَّها مأثورة بل صرَّح أنَّها من اختراعه وقال: لم أجد في الأخبار شيئاً موظَّفاً محدوداً لزيارة الصديقة (ع) فرضيتُ لمَن نظر في كتابي هذا من زيارتها ما رضيتُ لنفسي(8).

نعم ورد ذلك في طرق العامَّة، وأمَّا في طرقنا فلم نقف إلا على هذا المورد وقد عرفتَ أنَّه ليس مأثوراً، وعليه يكون إرداف "وسلِّم" بعد "صلِّ" دون فصل من الإضافات المخترعة غير المأثورة إلا أنَّ ذلك لا ضير فيه، إذ لا إشكال في جواز الدعاء بالأدعية المُخترَعة إذا لم يكن بقصد الورود ويتعزَّز انتفاء الإشكال في المقام بأنَّ الاختراع ليس إلا من جهةِ التقديم والتأخير.

قد يقال إنَّ منشأ الإشكال في التعبير بقول "وسلِّم على محمد وآل محمد" هو ما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ حيث ورد أنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ "هو التسليم له في كلِّ شيء جاء به" وليس المراد منه التحية له صلى الله عليه وآله.

قلنا وإن كان الأمر كذلك وأنَّ المراد من قوله: ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ هو التسليم له فيما ورد عنه والتسليم له في كلِّ شيءٍ جاء به كما أفاد ذلك الإمام الصادق (ع) إلا أنَّ ذلك لا يقتضي المنع من صحة تحيته والدعاء له بالقول "وسلِّم على محمَّدٍ وآل محمد" بل لا ينبغي توهُّم ذلك خصوصا بعد ملاحظة ما نقلناه من رواياتٍ اشتملت على التسليم على النبيِّ (ص) وأنَّها اشتملت على التسليم بعد تلاوة الآية المباركة.

وقد أورد السيِّد ابن طاووس في جمال الاسبوع دعاءً رواه بسنده إلى أبي عبدالله (ع) جاء فيه ".. وأنزلت محكم قرآنك ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ لا لحاجةٍ إلى صلاة أحد من المخلوقين بعد صلاتك عليه ... ووكَّلت بالمصلِّين عليه ملائكتك يصلِّون عليه ويُبلِّغونه صلاتَهم وتسليمَهم .."(9). فإنَّ ظاهر الرواية أنَّ التسليم هنا هو التحية والدعاء للنبيِّ الكريم (ص).

وورد في إرشاد القلوب بسندٍ يرفعه إلى الإمام موسى بن جعفر (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال: ".. وقد أعطى الله محمَّداً (ص) أفضل من ذلك إنَّ الله أمرَ ملائكته أنْ يصلوا عليه وتعبَّد جميع خلقه بالصلاة عليه إلى يوم القيامة فقال جلَّ ثناؤه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فلا يصلي عليه أحدٌ في حياته ولا بعد وفاتِه إلا صلَّى الله عليه بذلك عشراً، وأعطاءه مِن الحسنات عشراً بكلِّ صلاةٍ صلَّى عليه، ولا يصلي عليه أحدٌ بعد وفاته إلا وهو يعلم بذلك ويردُّ على المصلي والمسلِّم مثلَ ذلك .."(10).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة - الحر العاملي- ج6 / باب 3 من أبواب التشهد ح2.

2- مصباح المتهجد - الشيخ الطوسي- ص: 63.

3- الكافي- الكليني- : ج8/173.

4- تهذيب الأحكام- الشيخ الطوسي-: ج3/140.

5- المصباح- الكفعمي- ص: 423.

6- بحار الأنوار - المجلسي-: ج87/67.

7- المزار- الشخيدي- ص: 81.

8- من لا يحضره الفقيه- الشيخ الصدوق-: ج2/573.

9- جمال الاسبوع- السيد ابن طاووس- ص: 288.

10- بحار الأنوار- المجلسي- ج 16/343.