حروب عليٍّ (ع) كانت بأمر الرسول (ص)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل ثبت من طرق العامة أنَّ قتال الإمام عليٍّ(ع) أيام خلافته للناكثين والقاسطين والمارقين كان بأمرٍ من رسول الله (ص)؟

وسؤال آخر ما هو سبب وصف الفئات الثلاث -الذين قاتلهم الإمام (ع)- بهذه الأوصاف؟

الجواب:

الروايات الواردة من طرق العامَّة -والتي أفادت أنَّ قتال الإمام عليٍّ (ع) أيام خلافته الظاهريَّة للناكثين والقاسطين والمارقين كان بعهدٍ من رسول الله (ص)- هذه الروايات تبلغ من الكثرة حدَّاً لا يسعُ منصف الارتياب في صدورها في الجملة، فقد وردت من طرقٍ مختلفة عن عددٍ من الصحابة منهم أبو أيوب الأنصاري وهو الذي استضاف الرسول (ص) أول أيام الهجرة، ورُويت عن عبد الله بن مسعود، وعن الإمام علي (ع) وعن عمار بن ياسر وعن أبي سعيدٍ الخدري وعن عبد الله بن عباس وعن امِّ سلمة زوجة الرسول(ص) وعن جابر بن عبد الله الأنصاري فهؤلاء ثمانية من الصحابة الكرام رُويت عنهم في طرق العامة ما عهِد به الرسول الكريم (ص) لعليٍّ (ع) في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

ولهذا أفاد ابن عبد البر في الاستيعاب قال: ويروى من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر أنَّه قال: ما آسى على شيءٍ إلَّا أنِّى لم أُقاتل مع عليّ الفئة الباغية، وقال الشعبي: ما مات مسروقٌ حتى تاب إلى الله عن تخلَّفه عن القتال مع عليّ. ولهذه الأخبار طرقٌ صحاح قد ذكرناها في موضعها. ورُوي من حديث عليّ، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي أيوب الأنصاري أنَّه أمر (ص) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين"(1).

وقال الحافظ ابنُ حجر العسقلاني في التلخيص الحبير: ثبت أنَّ أهل الجمل وصفين والنهروان بغاة، ويدلُّ عليه حديث عليٍّ أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. رواه النسائي في الخصائص والبزَّار الطبراني، والناكثين أهل الجمل لأنهم نكثوا بيعته والقاسطين أهل الشام لأنهم جاروا عن الحق في عدم مبايعته، والمارقين أهل النهروان لثبوت الخبر الصحيح فيهم أنَّهم يمرقون من الدين كما يمرقُ السهم من الرمية، وثبت في أهل الشام حديث عمار: "تقتلك الفئةُ الباغية وأنَّ عليا قاتل أصحاب الجمل وأهل الشام والنهروان ولم يتبع بعد الاستيلاء ما أخذوه من الحقوق، وهذا معروف في التواريخ الثابتة وقد استوفاه أبو جعفر بن جرير الطبري وغيره"(2).

وهنا سننقل بعض ما وقفنا عليه من الروايات الواردة في هذا الشأن:

 

ما رُوي عن أبي أيوب الأنصاري:

الأول: ما أورده الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده عن عتاب بن ثعلبة حدَّثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال: أمر رسولُ الله صلى الله عليه وآله عليَّ بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين"(3) وأورده الحافظ ابنُ عساكر في تاريخ مدينة دمشق، وكذلك الموفق الخوارزمي في المناقب(4).

الثاني: ما أورده الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده عن الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله يقولُ لعليِّ بن أبي طالب: تُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات قال: أبو أيوب قلتُ يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام قال: مع عليِّ بن أبي طالب(5).

الثالث: ما أورده الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلاً له بصنعاء فقلنا عنده فقلتٌ له: يا أبا أيوب قاتلتَ المشركين مع رسول الله (ص) ثم جئتَ تُقاتل المسلمين قال: كان رسولُ الله (ص) أمرني بقتال ثلاثة الناكثين والقاسطين والمارقين، فقد قاتلتُ الناكثين، وقاتلتُ القاسطين، وأنا مقاتلٌ إنْ شاء الله المارقين بالسعفات بالطرقات بالنهروانات، وما أدرى ما هم". وأورده الحافظ ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق، وأورد المتقي الهندي في كنز العمال وقال أخرجه ابن جرير(6).

 الرابع: ما أورده الحافظ ابن عساكر بسنده عن أبي صادق قال: قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق فقلتُ له: يا أبا أيوب قد كرَّمك الله بصحبة نبيِّه محمد (ص) وبنزوله عليك فما لي أراك تستقبل الناس تُقاتلهم؟ تستقبل هؤلاء مرَّة وهؤلاء مرَّة، فقال: إنَّ رسول الله (ص) عهِدَ إلينا أنْ نُقاتل مع عليٍّ الناكثين فقد قاتلناهم، وعهد إلينا أنْ نُقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم، وعهد إلينا أنْ نُقاتل مع عليٍّ المارقين فلم أرهم بعد" وأورده المتقي الهندي في كنز العمال(7).

الخامس: ما أورده المتقي الهندي عن ابن جرير بسنده عن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب فقلنا: يا أبا أيوب قاتلتَ المشركين بسيفك مع رسول الله (ص) ثم جئتَ تُقاتل المسلمين! قال: إنَّ رسول الله (ص) أمرنا بقتال ثلاثة: الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فقد قاتلتُ الناكثين والقاسطين وأنا مقاتلٌ إن شاء الله المارقين(8). 

السادس: ما أورده الخطيبُ البغدادي بسنده علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب إنَّ الله أكرمك بنزول محمد (ص) وبمجيء ناقته تفضُّلاً من الله وإكراماً لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئتَ بسيفك على عاتقك تضربُ به أهل لا إله إلا الله! فقال: يا هذا إنَّ الرائد لا يكذبُ أهله، وإنَّ رسول الله (ص) أمرنا بقتال ثلاثة مع عليٍّ، بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين. فأمَّا الناكثون فقد قابلناهم -أهل الجمل- وأمَّا القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم -يعني أهل الشام- وأمَّا المارقون فهم أهل الطرفاوات، وأهل السعيفات، وأهل النخيلات، وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم ولكن لا بدَّ من قتالهم إنْ شاء الله، قال: وسمعتُ رسول الله (ص) يقول لعمار: "يا عمار تقتلك الفئة الباغية، وأنت إذ ذاك مع الحقِّ، والحقُّ معك، يا عمار بن ياسر، إنْ رأيت عليَّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليٍّ فإنَّه لن يدليك في ردى، ولن يخرجك من هدى، يا عمار مَن تقلَّد سيفا أعان به عليَّاً على عدوه قلَّده الله يوم القيامة وشاحين من دُرٍّ، ومن تقلد سيفاً أعان به عدوَّ عليٍّ عليه قلَّده الله يوم القيامة وشاحين مِن نار" قلنا: يا هذا حسبُك رحمك الله، حسبُك رحمك الله" وأورده ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق وأورده الخوازمي في المناقب(9).

ما رُوي عن الإمام علي بن أبي طالب (ع):

الأول: ما أورده الطبراني في الأوسط بسنده عن ربيعة بن ناجد قال: سمعتُ عليَّاً يقول: أُمرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين" وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعلَّق عليه بقوله: رواه البزار والطبراني في الأوسط وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثَّقه ابن حبان"، وورد من طريق آخر عن علقمة ومن طريق ثالث عن أبي سعيد التيمي كما في تاريخ مدينة دمشق(10).

وفي أنساب الأشراف للبلاذري روى بسنده حكيم بن جبير قال: سمعتُ إبراهيم يقول: سمعتُ علقمة قال: سمعتُ عليَّاً يقول: أُمرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين" وحُدثتُ أنَّ أبا نعيم قال لنا: الناكثون أهل الجمل، والقاسطون أصحاب صفّين، والمارقون أصحاب النهر"(11).

 الثاني: ما أورده في مسند ابن أبي يعلى بسنده عن علي بن ربيعة قال: سمعتُ عليَّاً على المنبر وأتاه رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين ما لي أراك تستحيل الناس استحالة الرجل إبله، أبعهدٍ من رسول الله (ص) أو شيئاً رأيتَه؟ قال: "والله ما كذبتُ ولا كذبت، ولا ضللتُ ولا ضُلَّ بي، بل عهدٌ من رسول الله (ص) عهده إليَّ، وقد خاب من افترى، وقال عليُّ بن ربيعة: سمعتُ عليَّاً على منبركم هذا يقول: عهِد إليَّ النبيُّ (ص) أنْ أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين(12). 

وفي مسند البزاز عن عليٍّ قال: عهد إليَّ رسول الله (ص) في قتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين" قال الهيثمي في مجمع الزوائد وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثقه ابن حبان(13).

الثالث: ما أورده الخطيب البغدادي بسنده عن خليد العصري قال: سمعتُ أميرَ المؤمنين عليَّاً يقول يوم النهروان: أمرني رسولُ الله (ص) بقتال الناكثين، والمارقين، والقاسطين" وأورده الحافظ ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق(14).

الرابع: ما أورده الحافظ ابن عساكر بسنده عن زيد بن عليِّ بن الحسين بن عليٍّ عن أبيه عن جدِّه عن عليٍّ قال: أمرني رسولُ الله (ص) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين" وأورده المتَّقي الهندي في كنز العمال(15).

الخامس: ما أورده ابنُ أبي عاصم في السنَّة عن علقمة قال: سمعتُ عليَّ بن أبي طالب يوم النهروان يقول: أُمرتُ بقتال المارقين، وهؤلاء المارقون" وأورده الحافظ ابن عساكر، والمتقي الهندي في كنز العمال(16).

السادس: ما أورده ابن مردويه بسنده عن أبي سعيد التميمي عن عليّ (عليه السلام) قال: عهِد إليّ رسول (صلى الله عليه وآله) أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقيل له: يا أمير المؤمنين مَن الناكثون؟ قال: الناكثون أصحاب الجمل، والمارقون الخوارج، والقاسطون أهل الشام" وأورده الموفَّق الخوارزمي في المناقب(17).

السابع: ما أورده الحافظ ابن عساكر بسنده عن سعد بن جنادة عن عليٍّ قال: أُمرتُ بقتال ثلاثة القاسطين والناكثين والمارقين، فأمَّا القاسطون فأهل الشام، وأمَّا الناكثون فذكرهم وأمَّا المارقون فأهلُ النهروان يعني الحرورية" وأورده الموفق الخوارزمي في المناقب وأورده السيوطي في جامع الأحاديث وقال رواه الحاكم في الأربعين وابنُ عساكر"(18).

 ما رُوي عن عبد الله بن مسعود:

الأول: ما رواه الطبراني بسنده عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: أُمر عليٌّ بقتال الناكثينَ والقاسطينَ والمارقينَ" (19).

الثاني: ما رواه الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله يعني ابن مسعود قال: أَمر رسولُ الله (ص) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين" وأورده مسند الشاشي للهيثم بن كليب الشاشي(20).

 الثالث: ما أورده الحافظ ابن عساكر بسنده عن علقمة عن عبد الله قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من بيت زينب بنت جحش وأتى بيت أم سلمة فكان يومها من رسول الله (ص) فلم يلبث أنْ جاء عليٌّ فدقَّ الباب دقَّاً خفيفاً فانتبه النبيُّ (ص) للدقِّ وأنكرته أمُّ سلمة فقال رسول الله (ص): قومي فافتحي له .. ففتحتُ الباب فأخذ بعضادتي الباب حتى إذا لم يسمع حسَّاً ولا حركة وصرتُ في خدري استأذنَ فدخل فقال رسول الله (ص): يا أمَّ سلمة أتعرفينه قالتْ: نعم يا رسول الله هذا عليُّ بن أبي طالب قال: صدقتِ سيِّد أحبُّه، لحمُه من لحمي ودمُه من دمي، وهو عيبةُ علمي اسمعي واشهدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي، فاسمعي وأشهدي وهو قاضي عداتي فاسمعي واشهدي وهو والله يحيي سنَّتي فاسمعي واشهدي لو أنَّ عبداً عبد الله ألفَ عامٍ بعد ألف عامٍ وألف عامٍ بين الركن والمقام ثم لقيَ الله مبغضاً لعليِّ بن أبي طالب وعترتي أكبَّه اللهُ على منخريه يوم القيامة في نارِ جهنم"(21).

الرابع: ما أورده الحافظ ابنُ عساكر بسنده علقمة عن عبد الله يعني ابن مسعود قال: خرج رسولُ الله (ص) فأتى منزل أمَّ سلمة فجاء عليٌّ فقال رسول الله (ص): يا أمَّ سلمة هذا والله قاتل القاسطين، والناكثين، والمارقين بعدي"(22) أورده المحبُّ الطبري في الرياض النضرة وقال: أخرجه الحاكمي، وأورده أحمد بن عبدالله الطبري في ذخائر العقبى، وأورده البغوي في شرح السنة، وجامع الأحاديث للسيوطي(23).

ما رُوي عن عمَّار بن ياسر:

الأول: ما رواه الطبراني بسنده عن أبي سعيد عقيصاء قال: سمعتُ عمَّاراً ونحن نريد صفين يقول: أمرني رسولُ الله (ص) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين"(24).

الثاني: ما أورده أبو يعلى بسنده عن القاسم بن سليمان عن أبيه عن جده قال: سمعتٌ عمَّارَ بن ياسر يقول: أُمرتُ أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين" وأورده الحافظ ابن عساكر(25).

الثالث: ما رواه أبو جعفر الإسكافي في كتاب المعيار والموازنة عن عمَّار قال: أَشهدُ أنَّ رسول الله (ص) أمرنا بقتال الناكثين والقاسطين، وأمرنا بقتال المارقين من أهل النهروان بالطرقات، وسمعنا رسولَ الله (ص) يقول: عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع علي لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة"(26).

الرابع: روى نصر بن مزاحم المنقري في كتاب وقعة صفين عن عمار بن ياسر يخاطب ابن العاص يوم صفين قال: أمرني رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله أنْ أُقاتل الناكثين وقد فعلتُ، وأمرني أنْ أُقاتل القاسطين فأنتم هم، وأمَّا المارقون فما أدري أُدركهم أم لا، أيُّها الأبتر .."(27).

 ما رُوي عن أبي سعيد الخدري:

ما أورده الحافظ ابن عساكر بسنده عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسولُ الله (ص) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسولَ الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع مَن؟ قال: مع عليِّ بن أبي طالب معه يُقتل عمار بن ياسر"(28) وأورده ابن الأثير في اسد الغابة، والخوارزمي في المناقب(29) .

ما رُوي عن أم سلمة:

ما أورده ابنُ مردويه في مناقب علي بن أبي طالب عن أُمّ سلمة: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال لي: "اشهدي إنّ عليّاً وصيّي، وإنّه وليّي في الدنيا والآخرة، وإنّه يُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين"(30).

ما رُوي عن جابر بن عبد الله الأنصاري:

الأول: ما أورده ابن مردويه من طريق محمّد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ "نزلتْ في عليّ بن أبي طالب إنّه ينتقم من الناكثين والقاسطين والمارقين بعدي" وأورده القندوزي في ينابيع المودة، وقال: رواه صاحب الفردوس (31).

الثاني: ما أورده السيوطي في الدر المنثور قال: وأخرج ابن مردويه من طريق محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله عن النبيِّ (ص) في قوله: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ نزلت في عليِّ بن أبي طالب، إنَّه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي(32).

ما رُوي عن عبد الله بن عباس:

ما أورد البيهقي في المحاسن والمساوئ عن أبي عثمان قاضي الري عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنَّ رسول الله (ص) قال لأم سلمة: اشهدي يا أمَّ سلمة أنَّ عليا يُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. قال ابن عباس: وقتلُهم لله رضىً، وللأمة صلاح، ولأهل الضلالة سخط .."، وأورده في الدر النظيم يوسف بن حاتم الشامي المشغري، وأورده القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار، وأورده محمد بن سليمان الكوفي في مناقب الإمام علي بن أبي طالب(33).

هذا بعض ما وقفنا عليه من الروايات المتصدية لإفادة أنَّ قتال علي (ع) للناكثين والقاسطين والمارقين كان بأمر وعهدٍ من رسول الله (ص) وهي كما لاحظتم متظافرة يعضدُ بعضُها بعضاً وإذا ضممنا إليها ما ورد من طرق أهل البيت (ع) فإنَّ مجموع ذلك يصلُ إلى حدِّ التواتر الإجمالي أو يفوق.

وأمَّا ما هو منشأ وصف الفئات الثلاث -الذين قاتلهم الإمام (ع)- بهذه الأوصاف؟

 

منشأ وصف أصحاب الجمل بالناكثين:

فالظاهر أنَّ منشأ ذلك هو بيان العلة الشرعيَّة التي صحَّحت قتالهم، فوصفُ أصحاب الجمل الذين قاتلهم الإمام (ع) في البصرة بالناكثين سيق لغرض الإشارة إلى أنَّهم نكثوا بيعتهم للإمام أمير المؤمنين (ع) رغم أنَّها صدرت عن محض اختيارٍ منهم ثم لم يكتفوا بذلك بل جيشوا الجيوش وخرجوا من مكَّة الشريفة إلى البصرة وأخرجوا قسراً عامل أمير المؤمنين (ع) عليها -وهو عثمان بن حنيف الأنصاري الصحابي الجليل- بعد أن عذَّبوه ونكَّلوا به ونتفوا شعر لحيته ورأسه، واقتحموا بيت مال المسلمين في البصرة واستولوا على ما فيه وقتلوا المئات من المسلمين في البصرة ضربوا أعناق الكثير منهم صبراً، ثم أعلنوا الحرب على أمير المؤمنين (ع).

منشأ وصف أصحاب صفين بالقاسطين:

وأمَّا منشأ وصف أهل الشام بالقاسطين فهو لغرض الإشارة إلى أن المبرِّر الشرعي لقتالهم هو ظلمهم وبغيهم على الإمام(ع) المفترض الطاعة والذي انعقدت امامته ببيعة عامَّة المهاجرين والأنصار وأكثر المسلمين من الصحابة وغيرهم، فالقاسطون هم الجائرون الظالمون البُغاة، والذين أمر القرآنُ المجيد بقتالهم في قوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾(34) فرغم سعي الإمام(ع) الحثيث إلى استتابتهم وتخليهم عن البغي والعدوان إلا أنَّهم أصرَّوا على محاربته والبغي عليه، وكان رائدهم يبعث السرايا إلى أطراف الحواضر الإسلامية فتسفك الدم الحرام وتعيثُ فيها فساداً، فلم يجد أميرُ المؤمنين (ع) بعد الإعذار وإقامة الحجَّة بعد الحجَّة عليهم لم يجد من خيارٍ سوى محاربتهم، فوصف النبيِّ (ص) لهم بالقاسطين في إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾(35).

منشأ تسمية أصحاب النهروان بالمارقين:

وأما منشأ تسمية أصحاب النهروان بالمارقين فهو الإشارة إلى أنَّ خروجهم على الإمام (ع) وإعلان الحرب عليه وتهديد أمن الناس والتعدِّي عليهم بسفك دمائهم كان مروقاً من الدين والاستقامة عليه، وهذا منشأ توصيف الرسول (ص) لهم بالمارقين تشبيهاً لهم بمروق السهم من الرميَّة.

فوصفُهم بالمارقين تشبيهٌ لهم بالسهم الذي يمرُقُ من الرميَّة -الصيد- فلا يستقرُّ فيها بل ينفذُ فيها من جهةٍ ثم يخرجُ سريعاً من الجهة الأخرى، وفي ذلك إشارةٌ إلى ما رواه الفريقان عن النبيِّ الكريم (ص) في وصف الخوارج أنَّهم: "يمرُقونَ من الدِّين كما يمرقُ السهمُ من الرميَّة" فالسهمُ المارق هو السهمُ الذي يُصيب الرميَّة فينفذُ في جسدِها ولكنَّه لا يستقرُّ فيه بل يخرجُ منه ويتجاوزُه، كذلك هم الخوارج، فهم وإنْ كانوا قد دخلوا في الدين ولكنَّهم بخروجهم على أمير المؤمنين (ع) قد خرجوا من الدين حكماً وتجاوزوه كما يخرجُ السهمُ المارقُ من الطرف الآخر للرميَّة.

روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري قال بينا النبيُّ (ص) يقسم ذات يوم قسماً فقال: ذو الخويصرة -رجلٌ من بني تميم- يا رسول الله أعدل فقال: ويلك مَن يعدل إذا لم أعدل، فقال عمر: ائذن لي فلأضرب عنقه قال: لا إنَّ له أصحابا يحقرُ أحدُكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كمروق السهم من الرمية .. يخرجون على حين فرقةٍ من الناس آيتُهم رجلٌ احدى يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تُدردر قال: أبو سعيد- الخدري- أشهدُ لسمعتُه من النبيِّ (ص) وأشهدُ أنِّي كنتُ مع عليٍّ حين قاتلهم فالتُمسَ في القتلى فأُتي به على النعتِ الذي نعتَ النبيُّ(ص)"(36).

ووصفهم الرسول الكريم (ص) في روايةٍ أخرى أوردها البخاري في صحيحه: ".. قوم يقرؤن القرآن لا يجاوزُ حناجرَهم، يمرقونَ من الدين مروقَ السهم من الرمية يقتلون أهلَ الإسلام ويَدَعون أهلَ الأوثان .."(37).

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

20 رجب 1446ه

21 يناير 2025م

-----------------------

1- الاستيعاب -ابن عبد البر- ج3 / ص1117.

2- التلخيص الحبير -ابن حجر العسقلاني- ج4 / ص84.

3- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص139

4- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص472، المناقب -الموفق الخوارزمي- ص190.

5- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص140

6- العجم الكبير -الطبراني- ج4 / ص172، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص473، كنز العمال -المتقي الهندي- ج11 / ص352.

7- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج16 / ص54، ج 42 / ص471، كنز العمال -المتقي الهندي- ج11 / ص352.

8- كنز العمال -المتقي الهندي- ج11 / ص352.

9- تاريخ بغداد -الخطيب البغدادي- ج 13 / ص189، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص472، المناقب -الموفق الخوارزمي- ص105. 

10- المعجم الأوسط -الطبراني- ج8 / ص213، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج7 / ص238، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص469.

11- أنساب الأشراف- البلاذري- ج2 / ص138.

12- مسند ابن أبي يعلى الموصلي -ابو يعلى الموصلي- ج1 / ص397، 186، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص468، اسد الغابة -ابن الأثير- ج4 / ص33.

13- مسند البزاز -البزاز- ج3 / ص26، مجمع الزوائد- الهيثمي- ج7 / ص238.

14- تاريخ بغداد -الخطيب البغدادي- ج8 / ص336، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص470.

15- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر-ج 42 / ص468، كنز العمال -المتقي الهندي- ج13 / ص112.

16- السنة -ابن أبي عاصم- ص425، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص469، 470، كنز العمال -المتقي الهندي- ج11 / ص300.

17- مناقب علي بن أبي طالب -ابن مردويه الأصفهاني- ص161، المناقب -الموفق الخوارزمي- ص176.

18- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص469. المناقب -الموفق الخوارزمي- ص194، جامع الأحاديث -السيوطي- ج29 / ص328.

19- المعجم الأوسط -الطبراني- ج9/ 165، المعجم الكبير -الطبراني- ج10 / ص92.

20- المعجم الكبير -الطبراني- ج10 / ص91، مسند الشاشي -الهيثم بن كليب الشاشي- ج1/ / ص342.

21- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص470، 471.

22- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر ج42 / ص470، شرح السنة -البغوي ج10 / ص235، الرياض النضرة -المحب الطبري- ج3 / ص226

23- الرياض النضرة -المحب الطبري- ج3 / ص226، ذخائر العقبى -أحمد بن عبدالله الطبري- ص110، شرح السنة -البغوي- ص1406، وجامع الأحاديث- السيوطي- ج37 / ص155.

24- المعجم -الطبراني- ج7 / ص239.

25- مسند أبي يعلى ج3 / ص194، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج43 / ص456.

26- المعيار والموازنة- أبو جعفر الإسكافي- ص119. 

27- وقعة صفين -ابن مزاحم المنقري- ص338، الفتوح -ابن أعثم الكوفي-ج3 / ص77.

28- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص471،

29- اسد الغابة -ابن الأثير- ج4 / ص33، المناقب -الخوارزمي- ص190.

30- مناقب علي بن أبي طالب -ابن مردويه الأصفهاني- ص160.

31- مناقب علي بن أبي طالب -ابن مردويه الأصفهاني- ص318، ينابيع المودة -القندوزي- ج2 / ص238.

32- الدر المنثور -جلال الدين السيوطي- ج6 / ص18.

33- المحاسن والمساوئ -إبراهيم بن محمد البيهقي- ج1 / ص20، الدر النظيم -يوسف بن حاتم الشامي المشغري- ص319. شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج1 / ص203، مناقب الإمام علي بن أبي طالب -محمد بن سليمان الكوفي- ج1 / ص369.

34- سورة الحجرات / 9.

35- سورة الجن / 15.

36- صحيح البخاري- البخاري- ج7 / ص111، صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج3 / ص113، السنن الكبرى -النسائي- ج5 / ص159.

37- صحيح البخاري -البخاري- ج4 / ص108.