حكم صلاة المرأة بحذاء الرجل 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما هو حكم صلاة المرأة بحذاء الرجل في مكانٍ واحد وما هو حكم تقدُّمها عليه؟

الجواب:

اختلف الفقهاء في ذلك فمشهور القدماء -كما أفاد صاحب الحدائق وكذلك صاحب الجواهر(1)- هو عدم الجواز إلا أنْ يكون بينهما حائل أو تكون الفاصلة بينهما بمقدارٍ يزيد على عشرة أذرع أو يكون الرجل متقدِّماً على المرأة، وفي مقابل مشهور القدماء ذهب مشهور المتأخرين إلى الجواز على كراهة، ونُسب لبعض الفقهاء القول بالتفصيل وأنَّه إذا كانت الفاصلة بين المرأة والرجل بمقدار شبرٍ أو يزيد فلا بأس وإلا لم تصح صلاتهما.

ومنشأ الاختلاف الواقع بين الفقهاء رضوان الله عليهم هو الاختلاف فيما هو المستظهَر من الروايات والتي يمكن تصنيفها كما أفاد السيد الخوئي رحمه الله(2) إلى ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: يظهر منها -بدواً- المنع مطلقاً، وهي رواياتٌ عديددة:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألتُه عن المرأة تُصلِّي عند الرجل، فقال: لا تُصلِّي المرأة بحيال الرجل إلّا أنْ يكون قدَّامها ولو بصدره"(3).

فالممنوع عنه بمقتضى ظاهر الرواية هو صلاة المرأة بحيال الرجل، وكذلك صلاتها متقدمةً عليه، فذلك هو المستظهَر من استثناء فرضية تقدُّم الرجل ولو بصدره. بأن يكون موضع سجودها بما يقرب من الشبر من موضع سجوده، فذلك هو معنى تقدُّم الرجل بمقدار صدره.

ومنها: موثقة عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في حديث أنَّه سئل عن الرجل يستقيم له أنْ يُصلِّي وبين يديه امرأة تُصلِّي، قال: إنْ كانت تُصلي خلفه فلا بأس، وإن كانت تصيب ثوبه"(4).

فحصر نفي البأس بصورة صلاة المرأة خلف الرجل ظاهر في المنع من صحَّة الصلاة بحياله والصلاة بين يديه والذي هو مورد السؤال. وبتعبير آخر مقتضى مفهوم الشرط هو أنَّ صلاتها في موضعٍ لا تكون معه خلف الرجل فيه بأسٌ ومنع، فيكون الممنوع هو صلاتها بحياله أو متقدَّمةً عليه.

ومنها: صحيحة إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْقُمِّيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي وبِحِيَالِه امْرَأَةٌ قَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِهَا جَنْبَتِه -جنبه- فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَلَا يَضُرُّه، وإِنْ كَانَتْ تُصَلِّي فَلَا"(5) يعني وإنْ كانت تصلي بحياله فلا، ومعنى النفي هو الإرشاد إلى المانعيَّة كما هو واضح.

الطائفة الثانية: يظهر منها -بدواً- الجواز مطلقاً، وهي روايات عديدة:

منها: صحيحة الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إنَّما سُميت بكة، لأنَّه تبكُّ فيها الرجال والنساء، والمرأة تُصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك، وإنَّما يُكره في سائر البلدان"(6).

ودلالة الرواية على الصحَّة مطلقاً مبتنيةٌ على استظهار إرادة الكراهة المصطلحة من قوله (ع): "وإنَّما يُكره في سائر البلدان" وإلا فمع استظهار الحظر من الكراهة فإنَّ الرواية تكون ضمن الطائفة الأولى المقتضية للمنع مطلقاً.

ومنها: صحيحة جميل‏ بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنه قال: "لا بأس أن تُصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يُصلِّي، فإنَّ النبيَّ (صلى اللَّه عليه وآله) كان يصلِّي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض، وكان إذا أراد أنْ يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد"(7).

وصدر الرواية ظاهر بل هو شديد الظهور في جواز أن تصلِّي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلِّي، نعم يقال إنَّ التعليل الوارد في الرواية نظراً لعدم ملائمته لمفروض الجواز يوجب تشويشاً واضطراباً يمنع من الاستدلال بالرواية على الجواز.

إلا أنَّ الظاهر هو عدم تماميَّة هذا الإشكال فقد يكون الإمام (ع) أراد من الاستدلال بفعل النبيِّ الكريم (ص) إفادة أنَّه لو كانت صلاةُ المرأة بحذاء الرجل مانعةً من صحَّة صلاته لكان وجود المرأة بين يدي الرجل أو بحذائه مانعاً مطلقاً من صحَّة صلاة الرجل حتى لو كانت المرأةُ غير مشتغلةً بالصلاة، فحيث إنَّ النبيَّ الكريم (ص) كان يُصلِّي وبين يديه امرأةٌ فهذا يدلُّ على أنَّ وجود المرأة بين يدي الرجلِ أو بحذائه لا يمنعُ من صحَّة الصلاة سواءً كانت مضجعةً أو كانت مشتغلةً بالصلاة، فالصحيحُ أنَّ التعليل الوارد في ذيل الرواية لا يوجب اضطرابها ولا يمنعُ من ظهورها في الجواز مطلقاً.

ومنها: رواية الحسن بن علي بن فضال عمّن أخبره عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في الرجل يُصلِّي والمرأة تصلِّي بحذاه، قال: لا بأس"(8) والرواية ظاهرة في المطلوب ولكنَّها مرسلة.

وعلى أيِّ تقدير فمقتضى الجمع العرفي بين الطائفين -بقطع النظر عن الطائفة الثالثة- هو حمل الروايات المانعة مطلقاً على إرادة الكراهة، وذلك لصراحة ما دلَّ على نفي البأس في الجواز وهو ما يُوجب حمل روايات المنع على إرادة الكراهة بمقتضى قاعدة حمل الظاهر على النصِّ.

الطائفة الثالثة: أفادت التفصيل ولكنَّها اختلفت في تحديده، فثمة ما دلَّ منها على المنع إذا لم تبلغ الفاصلةُ عشرة أذرع فإذا بلغته فلا بأس، وثمة ما دلَّ على تحديد الفاصلة بعظمة الذراع، وثمة ما دلَّ على تحديدها بما لا يُتخطى، وثمة ما دلَّ على تحديدها بموضع رجلٍ أو رحل، وثمة ما دلَّ على تحديدها بمقدار الشبر:

فمن ذلك: موثقة عمَّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه سُئل عن الرجل يستقيم له أنْ يُصلِّي وبين يديه امرأةٌ تُصلِّي؟ قال: لا يُصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، وإنْ كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، فإنْ كانت تُصلِّي خلفه فلا بأس وإن كانت تُصيب ثوبه، وإنْ كانت المرأة قاعدةً أو نائمةً أو قائمةً في غير صلاة فلا بأس حيثُ كانت"(9).

ومنه: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطَّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس"(10).

ومنه: صحيحة حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي الْمَرْأَةِ تُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الرَّجُلِ قَرِيباً مِنْه؟ فَقَالَ: إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَوْضِعُ رَحْلٍ فَلَا بَأْسَ"(11).

ومنه: صحيحة معاوية بن وهب‏ عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «أنَّه سأله عن الرجل والمرأة يُصليان في بيتٍ واحد، قال: إذا كان بينهما قدر شبرٍ صلَّت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس"(12).

هذه الروايات متَّفقةٌ على عدم المنع إذا كانت الفاصلة -من جهة الأمام والجانبين بين مصلَّى المرأة ومصلى الرجل- تزيدُ على عشرة أذرع، فإنَّ ما دلَّ على تحديد المنع بالذراع والشبر والرحل يدلُّ صريحاً على عدم المنع فيما زاد على العشرة أذرع، وبذلك تكون موثقة عمَّار صالحة لتقييد ما دلَّ من الطائفة الأولى على المنع مطلقاً.

وكذلك فإنَّ مثل صحيحة معاوية بن وهب والتي دلَّت على تحديد الفاصلة بمقدار الشبر -والذي هو أقصر المقادير المنصوصة- صالحة لتقييد ما دلَّ على الصحة مطلقاً، فيكون مقتضى الجمع بينها وبين الطائفة الثانية هو صحة صلاة المرأة بحذاء الرجل إلا أن تكون الفاصلة بينهما دون الشبر فإنَّ صلاتهما لا تصحُّ في هذا الفرض.

وكذلك فإنَّ مقتضى الجمع بين صحيحة معاوية بن وهب وبين بقية روايات الطائفة الثالثة هو الحكم بالمانعيَّة إذا كانت الفاصلة دون الشبر والحكم بالكراهة إذا كانت الفاصلة بمقدار الشبر أو يزيد، فصحيحة معاوية بن وهب هي أخصُّ الروايات لذلك لا موجب لرفع اليد عن ظهورها في المانعيَّة -كما أفاد السيد الخوئي(13)- وعلى خلاف ذلك سائر التحديدات، وبذلك يتعيَّن حمل سائر التحديدات إلى مقدار العشرة أذرع على التفاوت في مرتبة الكراهة.

وخلاصة القول: هو جواز أن تُصلِّي المرأةُ متقدِّمةً على الرجل، وجواز أنْ يُصلِّي كلٌ منهما بحذاء الآخر إذا كانت الفاصلةُ بينهما بمقدار شبرٍ أو يزيد، نعم ذلك مكروهٌ ما لم تتجاوز الفاصلة عشرة أذرعٍ أو يكون بينهما حائل. وأمَّا إذا كانت الفاصلة دون الشبر فلا تصحُّ الصلاةُ منهما، فذلك هو مقتضى الجمع العرفي بين الروايات.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

13 / جمادى الأولى / 1446ه

16 / نوفمبر / 2024م


1- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج7 / ص177، جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج8 / ص303، 305.

2- المستند في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج13 / ص105.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص127.

4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص128.

5- الكافي -الكليني- ج3 / ص298، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص121.

6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص126.

7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص122.

8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص125.

9- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص128.

10- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص126.

11- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص126.

12- الكافي -الكليني- ج3 / ص298، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص125.

13- المستند في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج13 / ص110.